خطة الهجرة لرئيس وزراء كندا المقبل مارك كارني

مارك كارني، رئيس وزراء كندا المقبل، سيتولى منصبه في وقت حاسم من تاريخ البلاد. تأتي قيادته في ظل حالة من عدم اليقين الاقتصادي الناجمة عن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، والتي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الكندية.

أدت هذه التعريفات، التي تم تنفيذها في 4 مارس، إلى إثارة المخاوف من حدوث ركود اقتصادي، مما زاد من الحاجة إلى قيادة حكيمة.

كارني، وهو خبير اقتصادي متخرج من جامعة أكسفورد ومصرفي سابق، اشتهر بإدارته للأزمات. شغل سابقًا منصب محافظ بنك كندا خلال الأزمة المالية لعام 2008، ولاحقًا منصب محافظ بنك إنجلترا، حيث لعب دورًا رئيسيًا في التخفيف من تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الآن، يركز اهتمامه على قيادة كندا مع التركيز بشكل خاص على إعادة هيكلة نظام الهجرة في البلاد.

خطة مارك كارني للهجرة

يدرك كارني أن النمو السكاني السريع في كندا تجاوز قدرة بنيتها التحتية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإيجار، وزيادة الضغط على المستشفيات، وإرهاق الخدمات العامة. تستند مقاربته لإصلاح الهجرة إلى تحقيق الاستدامة الاقتصادية، مع ضمان بقاء كندا دولة مرحبة بالوافدين الجدد.

1. معالجة نمو الهجرة المؤقتة

حدد كارني عيوبًا رئيسية في سياسات الهجرة المؤقتة في كندا، لا سيما في مجالين رئيسيين:

  • الطلاب الدوليون: زادت العديد من المؤسسات التعليمية، خاصة في أونتاريو، من أعداد الطلاب الدوليين بشكل كبير دون توفير سكن مناسب أو فرص عمل كافية.
  • العمال الأجانب المؤقتون (TFWs): يرى كارني أن الشركات اعتمدت بشكل مفرط على العمال الأجانب ذوي الأجور المنخفضة بدلًا من معالجة تحديات الإنتاجية والاستثمار في تدريب القوى العاملة المحلية.

لمواجهة هذه التحديات، يدعم كارني خطة الحكومة الفيدرالية لتقليل نسبة السكان المؤقتين من 6.2% في عام 2024 إلى 5% بحلول عام 2027. وتشمل مقترحاته الرئيسية:

  • فرض سقف على تصاريح الطلاب الدوليين، لضمان توافق قدرة الإسكان والتوظيف الإقليمية مع أعداد الطلاب.
  • تطبيق معايير أكثر صرامة لتوظيف العمال الأجانب المؤقتين، مع إعطاء الأولوية للصناعات التي تعاني من نقص حقيقي في العمالة، مثل الرعاية الصحية والطاقة النظيفة.
  • إلزام أرباب العمل بالمساهمة في برامج الإسكان والتدريب اللغوي عند توظيف العمال الأجانب.

2. مواءمة الهجرة مع القدرة الاقتصادية

يقترح كارني استراتيجية للهجرة قائمة على البيانات، بحيث يتم تعديل أهداف الاستقدام وفقًا لما يلي:

  • توفر المساكن، من خلال مراجعات ربع سنوية تعتمد على معدلات البناء الجديدة.
  • قدرة الخدمات العامة، لضمان قدرة المستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات الحيوية على استيعاب المهاجرين الجدد.
  • احتياجات سوق العمل، باستخدام نظام تخصيص قائم على القطاعات بالتنسيق مع المقاطعات والهيئات التنظيمية.

3. تعزيز معايير الاختيار الاقتصادي

يخطط كارني لإعادة هيكلة نظام الهجرة القائم على النقاط لتحسين اندماج المهاجرين اقتصاديًا. وتشمل تعديلاته المقترحة:

  • رفع متطلبات الكفاءة اللغوية للعمال المهرة في المهن المنظمة.
  • الاعتراف بالمؤهلات الأكاديمية قبل الوصول إلى كندا، لتقليل معدل البطالة بين المهاجرين المهرة.
  • تقديم حوافز للهجرة الإقليمية، مثل الإعفاءات الضريبية للوافدين الجدد الذين يستقرون خارج المراكز الحضرية الكبرى.

تأثير ترامب والآفاق السياسية لكارني

تتزامن قيادة كارني مع تصاعد التوترات بين كندا والولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب الاقتصادية. يبحث الكنديون عن قيادة مستقرة في ظل هذه الحرب التجارية وعدم اليقين الاقتصادي، مما ساعد كارني على كسب زخم سياسي.

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب الليبرالي قد قلّص الفجوة بشكل كبير مع حزب المحافظين المعارض، بعد أن كانت الفجوة تصل إلى 26 نقطة مئوية. وفقًا لاستطلاع حديث أجراه معهد “أنجوس ريد”، يتمتع كارني بتفوق قدره 9 نقاط مئوية على زعيم المحافظين بيير بويليفر فيما يتعلق بإدارة السياسات الأمريكية. وأظهر الاستطلاع أن 43% من المستجيبين يثقون بكارني في التعامل مع العلاقات الكندية-الأمريكية، مقارنة بـ34% لبويليفر.

خلفية مارك كارني وجاذبيته للناخبين

وُلد كارني في الأقاليم الشمالية الغربية وترعرع في ألبرتا، ويقدم نفسه كوافد جديد إلى عالم السياسة يتمتع بالخبرة اللازمة لتوجيه كندا عبر التحديات الاقتصادية. تشمل خبراته الواسعة:

  • تعليم مرموق من جامعتي هارفارد وأكسفورد، مع التركيز على الاقتصاد والتمويل.
  • عمله في بنك جولدمان ساكس، حيث اكتسب فهمًا للأسواق العالمية.
  • منصبه كمحافظ لبنك كندا، حيث ساعد البلاد على تجنب أسوأ آثار الأزمة المالية لعام 2008.
  • قيادته لبنك إنجلترا، حيث أدار حالة عدم اليقين الاقتصادي الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
  • رئاسته لشركة “بروكفيلد أسيت مانجمنت”، حيث أشرف على استراتيجيات الاستثمار المستدامة.

على الرغم من افتقاره إلى الخبرة الانتخابية، فإن خلفيته الاقتصادية القوية وقيادته المستقرة تجذب الكنديين القلقين بشأن مستقبل العلاقات الكندية-الأمريكية. قد يكون قدرته على التفاوض مع الولايات المتحدة مع ضمان مرونة الاقتصاد الكندي أقوى نقاطه السياسية.

خطة هجرة مستدامة

تركز خطة مارك كارني للهجرة على تحقيق توازن بين الاستدامة الاقتصادية والتزام كندا الطويل الأمد بالترحيب بالمهاجرين. من خلال تشديد سياسات الهجرة المؤقتة، ومواءمة أعداد المهاجرين مع القدرة الاقتصادية، وتحسين اندماج العمال المهرة، يهدف كارني إلى خلق كندا أكثر استقرارًا وازدهارًا.

مع اقتراب الانتخابات الفيدرالية المقبلة، سيكون التحدي الأكبر أمام كارني هو الحفاظ على ثقة الناخبين في قدرته على إدارة كل من القضايا الداخلية والضغوط الخارجية، لا سيما تلك الناجمة عن سياسات التجارة الأمريكية. ومع انقسام الكنديين بشأن من هو الأنسب للتعامل مع ترامب، لا تزال نتيجة الانتخابات غير مؤكدة، لكن خبرة كارني القيادية وإصلاحاته البراغماتية في الهجرة تضعه في موقع قوي.

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

للتواصل أو الاستفسار 💬
Scan the code